عمار يا مصر الغش اعتداء علي حق التفوق

عمار يا مصر الغش اعتداء علي حق التفوق

كنت محظوظاً وأنا في كندا عندما أذيع خبر الغش في امتحانات الثانوية العامة.. لأني لم أخجل ولم أفزع!
لم أخجل لأن الصحف الكندية لم تذكر عنه شيئاً بالرغم من أنها أحيانا كثيرة تهتم بنشر خبر احتراق كوخ صغير في قرية آسيوية بعيدة!.. وعدم نشر خبر الغش الفاضح في الصحف هناك أنقذ المصريين عموماً من نظرات غير مرغوبة في عيون عشرات الأجناس والملل المهاجرة إلي هناك.
ولم أخجل لأن الرأي العام الكندي كان مشغولاً بمناقشة تواجد رجال الشرطة داخل المدارس الثانوية بعد تكرار بعض حوادث الشجار بين الطلاب وسرقة بعض أجهزة المدارس وكلها يندرج تحت بند "لعب عيال".. المطلب جاء من السيدة القوية عمدة تورنتو ورأي جانب من النواب أن يكون تواجد رجال الشرطة بالملابس المدنية ولكن السيدة القوية العمدة قالت لا أريد أن يكون رجالي مجرد "خيال مآتة" وأصرت أن يكون تواجدهم بالملابس الرسمية وبأسلحتهم.. وأمام إصرارها وقوة حجتها وافق البرلمان الإقليمي علي مطلبها.. وكان منطقها بسيطاً للغاية وهو ضرورة حفظ النظام بحسم في مجتمع متعدد الثقافات والهويات والسلوكيات حيث يصل إلي كندا يومياً آلاف المهاجرين واللاجئين من مختلف البلدان العربية ومن آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وبلدان شرق أوروبا.. وأن حماية النظام هو حماية لهؤلاء جميعاً.
وكنت مستعدا أن أرد علي أي تساؤل خبيث حول الغش الفاضح في امتحانات الثانوية العامة كنت جاهزاً لأن أقول "لا ترجمونا بالحجارة فنحن لا نقبل أبداً بتواجد الشرطة داخل مدارسنا سواء بملابسها الرسمية أو بملابس المخبرين".
وكنت علي يقين من أن أحداً لن يجادلني فيما أقول لأننا بالفعل لسنا في حاجة لتواجد رجال الشرطة داخل مدارسنا الخالية طوال العام الدراسي من الطلبة والمدرسين لانشغالهم جميعاً بالدروس الخصوصية.
وكل صور الغش في الامتحانات والعامة منها علي وجه الخصوص هو فساد بشع مترتب علي فساد أكبر وأخطر هو الدروس الخصوصية.
¼ ¼ ¼ ¼
الدروس الخصوصية نشرت بيننا وباء متوحشا هو الاستهتار.. ويحمل هذا الوباء الطلبة والمدرسون والآباء والمسئولون عن سلامة العملية التعليمية والخطير في الأمر أن بعض المسئولين عن العملية التعليمية يرددون في خطبهم وتصريحاتهم أن "التعليم قضية أمن قومي" وواضح أنهم لا يفهمون المعني جيداً"!
الدروس الخصوصية أشاعت وباء الاستهتار بالمدرسة ذاتها وبما فيها من قواعد ونظام وتقاليد وأصبحت مجرد مكان للقاء واحد بين المدرس والطالب لعقد صفقة درس الخصوصي.
وفيها استهتار بكرامة المدرس ذاته الذي تحول إلي مجرد "حصالة" فلوس تأخذ من جيوب أولياء الأمور الأثرياء ولا تشبع.. وتدفع بأولياء الأمور الفقراء إلي دروب غير مشروعة حتي لا يضيع أبناؤهم كما ضاعوا هم من قبل!
الدروس الخصوصية أشاعت استهتاراً كريهاً بالتعليم ذاته.. فلم يعد وسيلة لبناء أجيال تبني الوطن.. ولا سبيلا لتحصيل المعرفة ولا معبدا يتشبع فيه الطلاب بروح الوطنية ولا حلبة للتمرس علي المنافسة الشريفة لصعود مدارج التفوق.
¼ ¼ ¼ ¼
الدروس الخصوصية حولت السنوات الدراسية إلي مرحلة سنية جافة جدباء في عمر الطالب فالعلاقة بينه وبين المعلم علاقة بيع وشراء.. ولا تضم بينه وبين أبناء مدرسته أو معهدة علاقة صحيحة.. لأن اللقاء محدود في قاعات الدروس الخصوصية فينشأ الجميع في غربة داخل المدرسة وخارجها.. غربة تتضخم في الحياة ذاتها وبعدها يجد الإنسان نفسه أنانياً وانتهازياً ومتسلقاً.
ويزيد حالة الاستهتار اتساعاً وتوحشاً عجز واضح عن مكافحة وباء الدروس الخصوصية وبعد الحملة الشفوية التي ظهرت قبل عامين استسلمنا جميعا لسطوتها.. وحصلت مع اعترافنا الكامل بها مثل سكوتنا علي الغلاء الفاحش وعلي النهب اليومي من جيوب المواطنين البسطاء والفقراء منهم بوجه خاص.. نهب من الرغيف المتواضع ومن الغموس العدمي ومن الثوب المرتق!
ونعترف بحق المعلمين في أن يعيشوا عيشة كريمة وفيرة بكل الخير.. وليكن هذا حقاً لجميع المصريين.
نعترف بحق المعلمين في أن يجلسوا هانئين في قمة الحياة.. وفي نفس الوقت ننتظر منهم أن يقوموا بواجبهم كاملاً داخل الفصول وبعد ذلك لا عتب عليهم إذا لجأ إليهم غير القادرين علي التحصيل داخل الفصل.
ولكن ما هو قائم الآن فساد كبير ينتج عنه هذا الفساد في الامتحانات.. وفساد في الأجيال التي نجحت بالغش.. لأن الغش يحتوي في مجمله علي الكذب والتزوير والسرقة والاعتداء علي حق الآخرين في التفوق.
¼ ¼ ¼ ¼
والتغشيش المتعمد في الامتحانات العامة هو إجهاض خسيس لمستقبل الأمة بأسرها لأنه ينتج عناصر ضعيفة إذا ارتفعت تكون قد ارتفعت بالاحتيال وإذا بقيت مكانها تبقي عفنا يتوالد عفنا أخطر!
والغش والتغشيش إجهاض لمستقبل الأمة.. لأن من يرتفع بالغش سيبقي غشاشاً ونصاباً طوال عمره ولن يكون أبداً "قلبه علي بلده"!
ودعونا نسأل طالباًَ كيف يري أباه الذي اشتري له أسئلة الامتحانات؟ هذا إذا افترضنا أن هذا الطالب أفاق في لحظة مضيئة من سعادة كاذبة بحصوله غير الشرعي علي أسئلة امتحان ما؟
إن مثل هذا الطالب قد يحتقر أباه.. أي أنه يحترق في داخله وتضيع في يقظته ومنامه كل الية الممكنة!
وهل يصبح سهلا عليه أن يتقبل نجاحه بارتياح وهو يدرك أنه نجاح مزيف ومسروق؟ انه بالحتم سوي يواصل في سيرة حياته كل ما يفعله اللصوص!
أما الأب الذي يشتري لابنه أسئلة مسروقة فنحن لا نتصوره إنساناً شريفاً ولاشك أنه من عجينة الفساد المستشري في حياتنا.
¼ ¼ ¼ ¼
ولعله واضح الآن لماذا لم يفزع كثيرون من جريمة الغش في الثانوية العامة أو اية امتحانات أخري.
فهذه الجريمة ليست سوي صورة للفساد الذي يحاول إحكام خناقه حول حياتنا.. وربما استفزنا أن ما حدث هو صورة شديدة العلنية لفساد يدمر أول ما يدمر فلذات أكبادنا ويجعل منهم وهم في عمر الزهور شهوداً صامتين علي جريمة تضرب مصر في القلب!
تصريح رسمي!!
تصريح رسمي يقول إن الزيادة في بعض المواد الغذائية في الشهرين الأخيرين لم تتجاوز 0.6%.
وخلال هذه المدة ارتفع سعر صندوق المياه الغازية صغيرة الحجم من 20 جنيهاً إلي 23 جنيهاً.
ربما يظن أصحاب هذا التصريح أن المياه الغازية ليست سلعة غذائية إنما هي مخصصة لغسيل السيارات!
lol!